Photobucket

Saturday, 15 December 2012

العلوم عند المسلمين


نشأة العلم وتطوره عند المسلمين
  
الإسلام والعلم
لقد حث الإسلام اتباعه على طلب العلم: فقال صلي الله عليه وسلم . "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" واعتبر أن طلب العلم يعادل الجهاد في سبيل الله "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " ويعتبر الإسلام أن مكانة الإنسان في الدنيا والآخرة بعلمه الى جانب إيمانه فيقول تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم منكم درجات " المجادلة 
وليس القصد بطلب العلم هنا هو علوم الدين وحدها.. بل أن علوم الدنيا لا تقل أهمية عن علوم الآخرة.. وقد جاء في الحديث: "العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان "فجعل علم الأبدان الذي هو أحد علوم الدنيا موازياً في المكانة مثل علوم الدين ويقول الرسول أيضاً: "اطلبوا العلم ولو في الصين " فالعلم الذي يطلبه المسلم في الصين هوقطعاً علم دنيوي.
وللعلم بالنسبة للإنسان المسلم غايتان: الأولى: تعبدية والثانية: منفعة دنيوية..
1) أما العبادة فلأن العلم يزيده إيماناً بالله من خلال معرفته بإعجازه في خلقه.. مثل معرفة تركيب جسم الإنسان ووظائف الأعضاء.. ومثل معرفة الكون والفلك والنجوم.. ومعرفة تركيب الأرض ودورانها.. وقد أمر الله تعالى المسلم في مواضع عديدة من القرآن النظر في هذه الأمور ومعرفتها كنوع من العبادة واعتبرأهل العلم أكثر خلق الله خشية لله. فقال تعالى" إنما يخشي الله من عباده العلماء " فاطر 28 .
(2) الهدف الثاني. هو خدمة الرعية المسلمه وخدمه الإنسانيه عن طريق  العلوم النافعة مثل الطب والفلك  والهندسة وغيرها ورفع المستوي المعيشى بينهم.
المسلمون  وعصر الترجمة.
لم تكن لدي العرب قبل الإسلام  حضارة.... ولم  يكن لديهم أى علم تطبيقي ولكنهم بهذه النظرة الإسلاميه المتفتحة على طلب العلم.. ابتدأو في نهم شديد يبحثون عن العلوم لدي  الشعوب الأخرى.. فما أن استقرت مرحلة الفتوح في مصر والشام وفارس.. حتى ابتدأ عصر الترجمة من كل اللغات وخاصة الفارسية والإغريفية والهندية. ابتدأ المسلمون أولاً بترجمة العلوم الحيوية التي اشتدت حاجتهم إليها كالطب والصيدلة.. ثم تلا ذلك كتب الفلك وعلم الميكانيك الذي سموه علم الحيل النافعة ثم توالت الترجمات في العمارة والملاحة والموسيقى والبصريات والصناعات اليدولة.
 وفي تلك الفترة ظهر الكثير من المترجمين.. منهم أهل، الذمة الذين وجدوا في سماحة الإسلام والمسلمين.. وفي سخاء الخلفاء وكرمهم ما شجعهم على نقل علومهم إلي اللغة العربية. ومنهم من اعتنق الإسلام وأراد خدمة الدين الجديد وإثراء اللغة العربية بالترجمة إليها.
ومن أوائل المترجمين حنين ابن اسحق واسحق بن حنين وابن ماسويه وابن البطريق وعيسى بن يحي، وتعتبر مرحلة الترجمة احدى مفاخر الحضارة الإسلامية لعدة أسباب:
أولاً: لأن الشعوب الأخرى كانت لا تحترم الحضارات السابقة لها ولا تستفيد منها.. بل كان الغالب يدمر حضارة المغلوب ويحرق الكتب ويقتل العلماء. من ذلك ما فعله التتار في بغداد وما فعله الأسبان المسيحيون في قرطبة وغرناطة مع المسلمين وهذا بعكس ما فعله المسلمون مع غيرهم.
 ثانياً: لأن معظم العلوم السابقة وخاصة علوم الإغريق كانت قد اندثرت وضاعت معالمها فكانت بعض كتب العلم الإغريقية مدفونة مع العلماء في مقابرهم.. وذلك لأن الدولة الرومانية لم يكن لديها اهتمام بالعلم.. ومن هنا كان فضل المسلمين في إحياء تلك العلوم الميتة. 
وتذكر مراجع التاريخ الأجنبية بكثير من الدهشة شغف قادة الفتوح الإسلامية بالكتب.. الى حد مبادلة أسرى الرومان بالكتب الإغريقية.. أو رفع الجزية مقابل هدية من الكتب. وكان الرومان سعداء بهذه المبادلات ويعتبرون أنفسهم الرابحين لأن تلك الكتب لم تكن في نظرهم ذات قيمة وكثيراً ما كانوا يحرقونها علناً بحجة أنها تدعو الى الهرطقة والكفر. وكثيراً ما كان الخليفة يضع بين بنود الصلح مع إمبراطور الرومان شرطاً بالسماح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية. وكانوا يطلبون من البيزنطيين البحث عن كتاب معين جاء ذكره  في المخطوطات ويسألونهم البحث عنه في مقبرة صاحبه.. ومع هذا الفيض من الكتب أنشأ المأمون داراً خاصة بالترجمة.. وكان المترجمون يؤجرون بسخاء.. وقد يعطى المترجم مثقال وزن الكتاب المترجم ذهباً .
ومن هنا كان الرومان يطلقون على المسلمين "المتوحشون العلماء" وذلك لأن شغفهم بالعلم لم يكن أقل شدة من بأسهم في القتال وصدق رسوله الله صلي الله عليه وسلم  إذ وصفهم بأنهم: "فرسان بالنهار ورهبان بالليل ".
مرحلة الإنتاج والإبداع العلمي
وبعد. مرحلة الترجمة عكف المسلمون على تلك المخطوطات الثمينة يدرسونها ويغربلونها.. ولم تكن تلك العلوم خالية من الشوائب والخرافات.. فهذه الشعوب كانت تعبد البشر وتعبد الحجر.. ولديهم الكثير  من العقائد الخرافية والسحر والشطط والكفر.. ثم ظهر جيل من علماء المسلمين الذي يستطيع أن يناقش القضايا العلمية.. فيثبت ما هو حق بالتجربة ويدحض ما هو خطأ أو باطل.. وظهر في العالم الإسلامي لأول مرة ما يسمى بالعلم التجريبي وشعاره "التجربة خير برهان" و "المشاهدة أقوى الدلائل ".
وبعد مرحلة الدراسة ابتدأت تظهر مجموعة من علماء المسلمين في كل علم وفن.. فظهر الرازي وابن سينا في الطب وظهر جابر بن حيان في الكيمياء وأولاد موسى بن شاكر في علم الحيل (الميكانيك) وابن يونس والبتاني والبيروني في الفلك والجغرافيا والفارابي في الموسيقى وابن الهيثم في الهندسة والبصريات وغيرهم كثيرون. وابتدأ هؤلاء العلماء بدورهم يكتشفون ويخترعون يطورون ويؤلفون الكتب والموسوعات العلمية. وزاد في تشجيعهم اهتمام الخلفاء والحكام المسلمين بهم.. وتسابقهم علي احتضان أكبر عدد من العلماء في بلاطهم، "وبذل المال بلا حدود. وقد بلغ هذا الاهتمام أن الخليفة الفاطمي  الحاكم بأمر الله عندما استدعى عالم الهندسة الحسن بن الهيثم إلى مصر خرج الخليفة بنفسه في موكب رسمي لاستقبال العالم عند أسوار القاهرة تقدبراً منه للعلم والعلماء..
كما أن السلطان بن مسعود أهدى الى البيروني حمل فيل ضخم من العملات الفضية تقديراً له على أحد كتبه غير أن العالم الكبير رد الهدية زهداً  في المال.. وكان حكام المسلمين يتشرفون بمجالسة العلماء وتقريبهم إليهم بل كانو ا يولونهم أخطر مناصب الدولة. فكان ابن سينا وابن رشد وابن زهر وزراء للحكام.
ولأول مرة في تاريخ العلم ابتدع المسلمون مبدأ تفرغ العلماء.. أي إجراء الرزق الدائم عليهم حتى يتفرغوا للعلم.. وهو مبدأ جاءت به تعاليم الإسلام في قوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " التوبة 122.
وإلي جانب ذلك كان الحكام يتولون الإنفاق على أبحاث العلماء وكتبهم ويتشرفون بأن تطلق أسماؤهم على هذه الكتب ومن هنا ظهرت كتب أمثال: المنصوري: في الطب ألفه الرازي للأمير منصور حاكم خراسان.
 الحاكمي: في الفلك ألفه ابن يونس للحاكم بأمر الله.
المسعودي: في الجغرافيا والفلك ألفه البيروني للسلطان بن مسعود وغيرهم كثيرون.
ماذا انتج علماء المسلمين
يتساءل بعض الناس: إن الحضارة الغربية قد أنتجت للإنسانية الكثير من الاختراعات والأفكار العلمية التي تجعل حياة الإنسان أفضل وأيسر فقدموا لنا السيارة والقطار والطائرة وصاروخ الفضاء.. فماذا قدمت لنا الحضإ رة الإسلامية في عهود ازدهارها..
ونقول رداً على ذلك.. أن جميع هذه الاختراعات المعاصرة لم تخلق بين يوم وليلة وليست بفضل دولة واحدة ولا حضارة واحدة.. بل هي وليدة جهود ألوف من العلماء من شتى الأجناس على مر العصور.. كل منهم يضيف ويطور. وعندما كانت  أوربا في عصور الظلام.. وكان البحث العلمي يعتبر كفراً والاختراع ممارسة للسحر والشعوذة والعلماء يحرقون أحياء.. كانت العلوم الإسلامية تتطور بسرعة مذهلة.. ففي الطب اخترع المسلمون التخدير لأول مرة وسموه (المرقد) واكتشفوا الدورة الدموية واخترعوا خيوط الجراحة من أمعاء الحيوانات.. واكتشفوا الكثير من الأمراض كمرض الحساسية ومرض الحصبة والأمراض النفسية والعصبية. وفي علم طب الأعشاب اكتشفوا ألوف النباتات التي لم تكن معروفة وبينوا فوائدها وقد قفز المسلمون بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من مرحلة (نزع السهام ) عند الإغريق إلي مرحة الجراحة الدقيقة والجراحة التجميلية.
وفي علم الفلك كانوا سباقين إلي إثبات كروية الأرض  واكتشاف دورانها واكتشاف الكثير من الحقائق حول طبيعة الشمس والقمر مما ساعد في هبوط الإنسان على سطح القمر.. واكتشفوا الكثير من النجوم والمجرات السماوية وسموها بأسمائها العربية التي مازالت تسمي بها .
وقد ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية مثل علم (الكيمياء) وعلم الجبر وعلم المثلثات Al-chemy& Al- gebra   .
ولكي نخرح من باب العموميات الى التحديد القاطع فقد جعلنا في ختام هذا الكتاب باباً يحتوي على 12 اكتشافاً أو اختراعاً اسلامياً كان لها فضل على تطور الحضارة..
فضل المسلمين في تطوير أساليب البحث العلمي
يقوله علي بن عباس طبيب السلطان عضد الدولة عن كتب الإغريق المترجمة الى العربية: "إني لم أجد بين مخطوطات قدامى الأطباء ومحدثيهم كتاباً واحداً كاملاً يحوي كل ما هو ضروري لتعلم فن الطب. فأبو قراط يكتب باختصار وأكثرتعابيره غامضة كما وضع جالينوس عندة كتب لا يحوي كل منها إلا قسماً من فن الشفاء ولكن في مؤلفاته الكثير من الترديد. ولم أجد كتاباً واحداً له يصلح كل الصلاح للدراسة".
ويقول في مكان آخر عن هذه المراجع أنه "يشق علي، التلميذ أن يدرس فيها".
فإذا رجعنا إلي أي مخطوط علمي إغريقي قديم وقارناه بأي مخطوط اسلامي فسوف نجد قفزة كبيرة في كل شيء سواء كان في الأسلوب العلمي للكتابة والشرح أو في المضمون العلمي أو في ترتيب  المادة العلمية.
 فقد ابتدع المسلمون المنهج العلمي في البحث والكتابة الذي  يعتمد علي التجربة والمشاهدة فالاستنتاج. وهم أول من أدخل الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية وأول من  رسم الآلات الجراحية والعملية وأول من رسم الخرائط الجغرافية والفلكية المفصلة.
وبحكم تعاليم الدين الإسلامي فقد ابتعد علماء المسلمين عن الخرافات في بحثهم فلا تجد كلاماً عن الكهانة والسحر والجن والشعوذة والتمائم وغير ذلك مما تذخر به كتب الإغريق والهندوس والبيزنطيين .
وكان العالم المسلم لا يبدأ الكتابة إلا وهو طاهر وعلي وضوء.
أما الخطاطون والنساخ فكانوا يهتمون بمظهر الكتاب، ويزينونه بالزخرف الإسلامي كما تزين المصاحف تماماً.. وتحلى المخطوطات بالآيات القرآنية والأحاديث المناسبة ويكتب بماء الذهب .
وقد ابتدع المسلمون الموسوعات العلمية لأول مرة.
كما ألفوا القواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية ومن ذلك موسوعة علم النبات لابن البيصار.
وكان علماء المسلمين يصدرون كتاباً سنوياً يسمى (المناخ) وهو موسوعة تبين أحوال الجو في العام القادم ومواسم الطقس والمطر من التوقعات الفلكية مما يساعد الزراع والمسافرين. وقد نقلت أوربا هذه الفكرة وتصدر اليوم موسوعة سنوية تسمى Al- Manac (المناخ ( بجميع اللغارت الأوروبية تقوم على نفس الفكرة العربية.
أوروبا تستفيد من العلوم الإسلامية 
يؤكد كثيرمن المؤرخين أن عصر النهضة في أوربا لم يبدأ إلا بفضل الترجمة عن العلوم العربية. ويقسم سارتون الترجمة الي ثلاث مراحل.
 المرحلة الأولى: بدأها قسطنطين الافريقي في القرن 11 الميلادي.
 المرحلة الثانية: بدأها جون الأشبيلي في النصف الأول من القرن 2 ام.
المرحلة الثالثة. بدأها جيرار الكريموني في  النصف الثاني من القرن 2 ام. ومنذ ذلك الوقت ظلت الكتب العربية المرجع الرئيسي في الجامعات الأوربية حتى القرن السابع عثر الميلادي ومن أهم الكتب التي ظلت المرجع الوحيد في مجالها لمدة 6 قرون :
- كتاب الحاوي في الطب للرازي.
- كتاب القانون في الطب لابن سينا.
ـ كتاب التصريف في الجراحة للزهراوي.
- كتاب (الجامع الكبير) في طب الأعشاب لابن البيطار- كتب الجغرافيا للادريسي وابن حوقل.
- كتاب الجبر للخوارزمي.
- كتاب الحيل النافعة لأولاد موسى بن شاكر والحيل الهندسية للجزري.
- كتاب البيروني في الفلك- كتاب المناظر لابن الهيثم.
فطبع من القانون وحده 16 طبعة في القرن 15 ثم طبع منه 20 طبعة في القرن 6 ام ثم 39 طبعة في النصف الأول من القرن 7 ام بينما لم يطبع من كتب جالينويس غير طبعة واحدة ثم لم يتكرر طبعه بعدها..
ولكن أوربا في عصور الظلام والتعصب الصليبي لم تكن لتعترف بفضل علماء المسلمين عليها.. وبعض أوائل المترجمين عن العربية مثل قسطنطين الإفريقي الذي ترجم من العربية إلى اللاتينية قد نسب ما ترجمه من كتب إلى نفسه ولم يكتشف أمره في أوربا إلا بعد 40 سنة من وفاته بعد ان ظن الناس هناك- أنه عبقرية علمية لا مثيل لها. وفي نفس الوقت فمن العلماءا الأولين في أوربا من أخذ الاختراع العربي ونسبه الى نفسه.. ومن أهم هذه الاختراعات  التي نسبت إلى علماء غربيين اختراع البندول والكاميرا والبوصلة والبارود والمدفع والنظارة والساعة واكتشاف الدورة الدموية والتخدير وغيرها كثير مما سنناقشه في باب مستقل.
المستشرقون والحضارة الإسلامية
بعد أن انتهى عصر الظلام والتعصب الصليبي في أوربا ابتدأت مرحلة النهضة وعصر التفتح. فابتدأ علماء الغرب يعترفون لأصحاب الفضل بفضلهم  وسبقهم في العلم.. وظهرت مجموعة من العلماء الذين تخصصوا في (تاريخ العلم) وفي كشف الزيف التاريخي بتحقيق كتب التراث.. ومن هؤلاء العالم الأمريكي الكبير جورج سارتون صاحب موسوعة ( تاريخ العلم) وأستاذ مادة تاريخ العلم في جامعة واشنطن.. والعالم الألماني مايرهوف المتوفي سنة 1945 والذي كان أستاذاً  لطب العيون في ألمانيا ثم استهواه الاستشراق فانتقل إلي مصر ودرس اللغة العربية ثم قضى حياته في استكشاف وترجمة المخطوطات العلمية الإسلامية.. وهناك شاخت صاحب موسوعة تراث الإسلام.. ونلينو وسخاو وبارتولد وكرامر وهونكه ومنورسكى وفلوديان وسيديو .
وسوف يلاحظ القارىء أنني أحرص على الاستشهاد بسارتون أكثر من غيره كمرجع في العلوم الإسلامية.. لا لأنه من أكثرهم إنصافاً لها.، ولكن لأن سارتون لا يمثل عالما  واحداً.. أو كتاباً واحداً.. بل هو فريق ضخم من العلماء والباحثين وموسوعته الضخمة (تاريخ العلم) أصبحت المرجع الرئيسي والمنهل الأكثر اعتماداً.. لدى جميع المستشرقين والكتاب ومراكز البحث العلمي. بل أيضاً لمؤلفي الموسوعات العامة في الغرب.. ففي هذه الموسوعة يحدثنا سارتون عن العلم في التاريح الإنساني وفي العلم كله في أوربا وآسيا وافريقيا ولا يترك شعباً واحداً ساهم في الحضارة الإنسانية ولو بالقليل إلا ويذكر فضله. ودوره بالحق.. ويسير بنا سارتون بالتطور العلمي ابتداء من عصور الفراعنة ثم الإغريق ثم الدولة البيزنطية حتى يصل إلى ظهور الحضارة الإسلامية.
ويقول سارتون إنه عندما وصل في تأريخه الي القرن السابع والثامن الميلادي حيث ابتدأت الحضارة الإسلامية تصعد بسرعة مذهلة ويطغى نورها على كل ما سواها في شتى أنحاء المعمورة لم يستطع أن يكتفى بمعلومات مساعديه رغم أنهم فريق كبير من علماء التاريخ الإسلامي فاضطر أن يدرس (2 )اللغة العربية في هذا السن الكبيرحتى يستطيع بنفسه أن يلاحق هذا الفيض المتفجر من العلم والإنتاج.. ويقسم سارتون عصور التاريخ بأسماء أبرز العلماء وأصحاب الفضل على الحضارة الإنسانية في عصرهم. فالنصف الثاني من القرن الثامن الميلادي يسمى عصر جابر بن حيان. 
والنصف الأول من القرن التاسع الميلادي يسمى عصر الخوارزمي.
 والنصف الثاني من القرن التاسع الميلادي يسمى عصر الرازي.
 والنصف الأول من الاقرن العاشر الميلادي يسمى عصر المسعودي.
 والنصف الثاني من القرن العاشر الميلادي يسمى عصر أبو الوفا البوزجاني.
 والنصف الأول من القرن الحادي عشر يسمى عصر البيروني.
 والنصف الثاني من القرن الحادي عشر يسمى عصر الخيام.
والنصف الأول من القرن الثاني عشر يسمى عصر ابن زهر الأندلسي. 
والنصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي يسمى عصر ابن رشد.
 والنصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي هو عصر الترجمة من العربية الى أوروبا.
ولهذا التقسيم وهذه الأسماء مغزى كبير يجب أن لا يفوتنا. فمعناه أن الحضارة الإسلامية كانت في تلك العصور سيدة الدنيا بغير منافس ولا منازع مما حدا بسارتون أن يسميها بعصور العلم الإسلامي. وفي ذلك (3) يقول في صفحة 965 بعد أن يستعرض كل الحضارات المعاصرة من اليابان والصين حتى إنجلترا وإسكندنافيا:
"ولننتقل الآن إلى الإسلام. فكأنما انتقلنا فجأة من الظل الى الشمس الساطعة.. ومن العالم النائم إلى عالم يعج بالحركة والطاقة والحيوية والإنتاج " ويستطرد سارتون بأن العالم الإسلامي نفسه كان في سباق مع نفسه نحو قمة الحضارة.. فكانت هناك منافسة حضارية علمية بين مسلمي الغرب الإسلامي وبين مسلمي الشرق الإسلامي.. بل كان هناك سباق بين أبناء الدين الواحد والدولة الواحدة الذين ينتمون إلى عناصر مختلفة من عرب وفرس وأتراك وبربر وغيرهم. فقد دفع الإسلام في هؤلاء جميعاً طاقة لا تعرف الكلل.
ويرد سارتون على بعض المؤرخين الذين طغت لديهم الروح العنصرية والصليبية على روح العلم والتفتح فيقول.
"إن (4) بعض المؤرخين يحاول أن يبخس ما قدمه العرب للعالم. ويصرحون بأن العرب والمسلمين نقلوا العلوم القديمة ولم يضيفوا إليها شيئا" ويرد عليهم قائلاً: "إن هذا الرأي خطأ جسيم.. فقد كان العرب أعظم معلمين في العالم وأنهم زادوا على العلوم التي أخذوها ولم يكتفوا بذلك بل أوصلوها إلى درجة جديرة بالاعتبار من حيث النمو والارتقاء".
و يحدثنا سارتون في كتابه "حياة العلم " عن المعجزة الحضارية العربية.. وعن "الكبرياء العقلي العربي " فيقول: "إن قليلاً من الإغريق قد وصل الى مراتب (5) غير عادية بطريقة تكاد تكون فجائية وهذا ما نطلق عليه "المعجزة الاغريقية" ولكن للمرء أن يتحدث كذلك عن "معجزة حضارية عربية  وإن اختلف الأسلوب. إن عملية خلق حضارة جديدة ذات صفة دولية وقدر موسوعي خلال أقل من قرنين من الزمان.. لهي من الأمور التي يتعذر شرحها شرحاً كاملاً.. "
ثم يقول في مكان آخر: "إن تفوق الثقافة الإسلامية كان كاسحاً إلي حد يفسر لنا كبرياء العقلية العربية في تلك العصور"
أما ماكس مايرهوف فيقول في كتابه "تراث الإسلام "
"إن العلم الإسلامي قد عكس ضوء الشمس (6) الغاربة في اليونان.
 وتلألأ كالقمر في سماء العصور المظلمة.. وثمة كواكب سطعت من تلقاء نفسها وأضاء سناها ظلمة هذه السماء".
واعترافاً بفضل العلوم الإسلامية على الإنسانية فقد تكونت في كل الدولة المتقدمة مراكز لدراسة التراث الإسلامي وإعادة تقييمه.. وقررت  هيئة اليونسكو إحياء ذكرى هؤلاء العلماء على مستوى العالم كله.. فقامت في كل من روسيا وأمريكا وفرنسا وأسبانيا احتفالات بمناسبة العيد الألفي لابن سينا وأخرى للعيد الألفي للرازي وذكرى ابن رشد والبيروني وأنشئت في  روسيا لجنة دائمة لتكريم ابن سينا رصدت الجوائز السنوية لأفضل بحث عن أعماله.. كما ألفوا عن هؤلاء العلماء التمثيليات والمسرحيات.
وفي أمريكا أصدرت هيئة تسمية تضاريس القمر التابعة لأبحاث الفضاء نشرة بإطلاق أسماء18 عالما  اسلامياً علي تضاريس القمر وعلي محطات الهبوط علي سطحه.. تقديراًلفضلهم في التوصل الى هبوط الإنسان علي سطح القمر.
كما تكونت جماعات من الخبراء عملهم التنقيب عن قبور هولاء العلماء.. "واستخراج الجمجمة وتصويرها بالأشعة ثم تقدير ملامح العالم من الجمجمة وعمل صور وتماثيل له لوضعها في المتاحف العلمية وقد توصلوا إلى شكل ابن سينا والرازي وغيرهم . وبعض هذه الصور منشور في هذا الكتاب بل إن أبحاث علماء الغرب شملت التنقيب عن بيوت هؤلاء العلماء ومعاملهم الخاصة ... ويذكر ( هولمياد ) أنه عثر فى الحفريات على معمل جابر بن حيان فى الكوفة وهو أشبه بالقبو تحت بيت قديم ووجد فيه  أجهزة التقطير والقوارير والمواقد وعدد كبير من الكيماويات والأجهزة .
واجبنا نحو تراثنا العلمي
من الأمور المؤسفة حقاً أن أغلب المتعلمين المسلمين لايعرفون شيئاً ذا بال عن التراث العلمي الإسلامي ... وذلك لأن التعليم فى مدارسنا لم يهتم بهذا الجانب الاهتمام الكافي . وقد يدرس التلميذ التراث الأدبي من شعر وأدب وحكمة وقد يدرس أخبار الشعراء والأدباءوالفلاسفة المسلمين .... أما العلوم التطبيقية وروادها فلايعلم عنهم شيئاً وبذلك يتصور أن العرب والمسلمين كانوا أمة خطابة وشعر ولم يكونوا أهل علم وعمل . وقد يقول قائل إن أغلب هذه العلوم القديمة قد عفا عليه الزمن ... وحلت مكانه علوم حديثة متطورة وليس من المعقول أن يدرس أولادنا علوم القرن العاشر الميلادي ويتركوا علوم وتكنولوجيا القرن العشرين . وطبعاً نحن لانطلب ذلك ... ولكننا نقول أن دراسة التراث العلمي الإسلامي تهدف الى تحقيق الأهداف التالية : 
أولا العزة القومية : ـ 
وهو أمر لايمكن إغفاله أو الاستهانة به …فكل الشعوب الناهضة تعتز بماضيها وتراثها وتحاول أن تثبت أنها لم  تكن نكرة فى التاريخ بل لها فضل على الإنسانية بما قدمته من حضارة وتطور ....
ثانيا : أن تكون أمجاد الماضي حافزاً على النهضة فى المستقبل وأن تكون سيرة الأجداد وانجازاتهم العلمية حافزاً للأحفاد على الاقتداء بهم ... وعلي حب العلم .
ثالثا: الاستفادة من تجارب السابقين فى العلم الحديث : 
مثال ذلك ما فعلته الصين بعد تدارس نظام الوخز بالإبر فى ضوء التكنولوجيا العصرية وقدمته إلى العالم كعلم جديد نافع اهتزت له الاوساط العلمية فى أوربا . ونحن لدينا الكثير من العلوم الاسلامية مثل طب الأعشاب ـ علم جبر العظام ـ علم الكي ويمكن بعد إعادة دراسة هذه العلوم أن نجد فيها الكثير مما تقدمه إلى الإنسانية فى قالب عصري جديد .
واجب علمائنا المعاصرين نحو أجدادهم : ـ 
من المعروف أن أي كتاب أوربي يصدر فى عصرنا الحالي ويتناول أي علم من العلوم أو فروع دقيق من فروع هذا العلم …. فإنه يبدأ بلمحه من التاريخ …تتناول تطور هذا العلم وإنجازات السابقين فيه . ولكنهم غالباً ما يبدأون هذا الجانب التاريخي من عصر النهضة فى أوربا ويغفلون بذلك فترة الحضارة الإسلامية وانجازاتها … بل أن منهم من يبدأ بدور الفراعنة والإغريق ثم ينتقلون مباشرة إلى أوروبا … والواقع أننا لانستطيع أن نتهمهم بالتعمد أو التحيز لأن أغلب كتبنا  التى يؤلفها علماؤنا العرب والمسلمون والتى تدرس فى جامعاتنا اليوم تسير على هذا المنوال من تجاهل دور العلماء المسلمين الأولين .
 

No comments:

Post a Comment